كتبت: أمل السبلاني
انا امل السبلاني كاتبة في مجال السلام وقاصة ومدونة صوتية. أدرس الماجستير في العلوم السياسية، تخصص علاقات دولية. أسعى من خلال كتاباتي إلى إلقاء الضوء على قضايا مهمة تعزز التفاهم والتعايش.
دوري في المشروع، كنت من ضمن الفريق المسؤول عن إعداد حلقة البودكاست، وشاركت في كتابة المحتوى وجمعت البيانات باستخدام قواعد التاريخ الشفوي. بالإضافة إلى القيام بعملية هندسة الصوت مراحل المونتاج، وكنت المحاورة لضيوف الحلقة.
وبعد التعريف عن نفسي سأشاركم من خلال هذه المقالة رؤيتي للتاريخ الشفوي الذي يعد أحد المصادر المهمة التي تعتني بتاريخ المجتمعات والشعوب.
خلال دراستي الجامعية في مجال التاريخ الحديث والمعاصر، كان أساتذتي دائمًا ما يؤكدون لنا على أهمية وضرورة التاريخ الشفوي في فهم هُويتنا، لكننا كنا نفتقد لهذا النوع من التاريخ، وبشكل كبير. وأتذكر الفكرة التي قدمها الدكتور عبد الله أبو الغيث، أحد أساتذتي، في إحدى المحاضرات، وهي لماذا لا نسجل قصص الشخصيات المهمة والأحداث التي شكلت تاريخنا، حتى تستفيد منها الأجيال القادمة؟
تخيلت وقتها كيف يمكن أن نطبق هذه الفكرة، وكيف يمكن أن نخلق أرشيفًا صوتيًا، يجمع تجارب الشخصيات البارزة والأحداث المهمة والفارقة في مجتمعنا، وكيف يمكن أن يساعدنا ذلك في توثيق هُويتنا التي دائماً ما تتعرض للتدمير والعبث والسرقة.
يعتبر التاريخ الشفوي أحد المصادر المهمة التي تعتني بتاريخ المجتمعات والشعوب، حيث يوثق الذاكرة الحية للأجيال القادمة. ويقدم هذا النوع من التاريخ صورة واقعية عن تفاصيل الأحداث وطبيعة الحياة والعلاقات في المجتمع، لأنه يؤخذ من، أفواه المعاصرين الذين كانوا شهودًا على أحداث معينة، أو ما يمكن أن نسميه “السرد من منظور الشخص الأول”.
كم نحن في أمس الحاجة إلى مثل هذا التوثيق، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي يتعرض فيها تراثنا للتهديد. ومن أبسط صور هذا التهديد هو عندما تم تغيير أسماء العديد من الأحياء في صنعاء، وهو الحدث الذي أشعرني بالحسرة الشديدة، وتساءلت حينها: لماذا يتم الإقدام على هذه الخطوة رغم أنها تشكل جزءًا مهمًا من تراثنا؟ وهذه الأسماء لا تضر أحدًا! وتراثنا بشكل عام لا يشكل عبئاً أو تهديدًا على أحد، بل هو فخر لنا ويجب أن نعتز به، ونحافظ عليه.
ولطالما كنت من المؤيدين لفكرة تسمية قاعات الجامعات بأسماء الشخصيات المهمة كنوع من توثيق التراث وحفظه، مثل أسماء الأدباء الذي يمثلون جزءًا لا يتجزأ من تراثنا الثقافي، والذين يسهمون في تشكيل هويتنا الثقافية والاجتماعية، وهم من أهم رموز الوحدة والتماسك، والمنبر الذي لطالما ارتفع ليعبر عن آلام المجتمع وآماله. ولكن للأسف، مشاركتي في هذا الجانب كانت ولا تزال صعبة، لأن مثل هذه الجهود لا تقام بمجرد خطوات فردية. على الرغم من أن الإقدام على العبث بالتراث قد يكون بدافع الأهواء الشخصية. والإصلاح دائمًا ما يتم الإقدام عليه بتكاتف الجهود وتضافرها، وهذا ما يغيب عن واقعنا للأسف!
ومما تقدم، اعتبرت أن القيام بأي خطوة من شأنها أن تحفظ تراثنا أمرٌ صعب، إلا أن الفرصة أتيحت لي عند المشاركة في مشروع “أصوات وإيقاعات غائبة”، الذي يهتم بتدوين حياة الفنانات اليمنيات المغمورات وتوثيق سيرهن، وكان هذا إنجازًا كبيرًا بالنسبة لي، وهي خطوة يجب تشجيعها وتوسيعها في المستقبل، لإشراك الشباب فيها، بأكبر قدر ممكن، لأن الإنسان دون تاريخ وتراث وهُوية لا يساوي شيئًا، بل إن قيمته أدنى من وزن القشة في الهواء.
التاريخ الشفوي وحفظ التراث مهمان جداً، لأنهما يسهمان في بناء الوعي الجماعي ويعززان من هويتنا الثقافية، وهما خطوة أساسية للحفاظ عليها وضمان استمراريتها للأجيال القادمة.